كتبت – شيرين فرج:
يُحيط باضطراب الوسواس القهري العديد من الغموض، بما في ذلك أسبابه، واختلاف أعراضه اختلافًا كبيرًا بين الأشخاص، وكيفية عمل الأدوية والعلاجات المُخصصة له، ولماذا يكون العلاج فعالًا لدى بعض الأشخاص دون غيرهم.
وتسعى دراسة جديدة إلى كشف بعض هذه الألغاز من خلال تسليط الضوء على العوامل الوراثية لاضطراب الوسواس القهري.
يُعد اضطراب الوسواس القهري أحد أكثر الأمراض إعاقةً على مستوى العالم. إذ يُصيب حوالي واحد من كل 50 شخصًا حول العالم، ويُعتبر من بين الأسباب العشرة الأولى لفقدان سنوات من العمر بسبب الإعاقة، ما يُؤدي إلى آثار ضارة على قدرة الشخص على العمل والتفاعل مع العالم وأسرته.
بالمقارنة مع الأشخاص غير المُصابين باضطراب الوسواس القهري، فإن الشخص المُصاب بهذه الحالة لديه فرصة أعلى بنسبة 30% للوفاة المبكرة لأسباب طبيعية، مثل العدوى أو الأمراض الأخرى، وفرصة أعلى بنسبة 300% للوفاة المبكرة لأسباب غير طبيعية، مثل الحوادث أو الانتحار.
يُعاني الأشخاص المصابون باضطراب الوسواس القهري من هواجس – أفكار أو مخاوف أو صور ذهنية مزعجة ومتكررة وغير مرغوب فيها – وسلوكيات قهرية، مثل السلوكيات المتكررة والطقوس التي تُمارس لتخفيف القلق الذي عادةً ما تُسببه الهواجس.
على سبيل المثال، قد يغسل شخص ما يديه عشرات المرات أو بطريقة مُحددة للتخلص من الجراثيم، حتى لو كان يعلم أن ذلك مُفرط أو غير منطقي. كما أن تجنب أماكن أو مواقف مُعينة لتقليل القلق أو منع إثارة الهواجس والسلوكيات القهرية أمر شائع أيضًا.
رغم أن الأسباب الدقيقة لاضطراب الوسواس القهري غير واضحة، فإن الباحثين يُدركون أن العوامل الوراثية والبيئية تلعب دورًا في تطوره. يُمكن أن يكون اضطراب الوسواس القهري وراثيًا؛ وتُرجع الدراسات ما بين 40% و65% من حالات اضطراب الوسواس القهري إلى عوامل وراثية. يكون لاضطراب الوسواس القهري الذي يبدأ في مرحلة الطفولة، تأثير وراثي أقوى من اضطراب الوسواس القهري الذي يبدأ في مرحلة البلوغ.
لكن بخلاف بعض الأمراض الوراثية الناتجة عن خلل جين واحد، مثل التليف الكيسي أو داء هنتجتون، يتأثر اضطراب الوسواس القهري بمئات إلى آلاف الجينات التي يلعب كل منها دورًا صغيرًا في خطر الإصابة به.
حلل الفريق البحثي، الحمض النووي لأكثر من 53 ألف شخص مصاب باضطراب الوسواس القهري، وأكثر من 2 مليون شخص غير مصاب، وهي أكبر دراسة من نوعها لهذه الحالة. واكتشف مئات العلامات الجينية التي يُحتمل ارتباطها باضطراب الوسواس القهري.
وحدد الباحثون 30 منطقة في الجينوم مرتبطة باضطراب الوسواس القهري، تحتوي على 249 جينًا ذا أهمية. من بين هذه الجينات، برز 25 جينًا كمساهم محتمل في تطور اضطراب الوسواس القهري.
ترتبط الجينات الثلاثة الأولى أيضًا باضطرابات دماغية أخرى مثل الاكتئاب والصرع والفصام. كما عُثر على العديد من الجينات الأخرى ذات الصلة باضطراب الوسواس القهري في منطقة من الجينوم تلعب دورًا في المناعة التكيفية، وقد ارتبطت باضطرابات نفسية أخرى.
ومن المهم الإشارة إلى أنه لا يمكن لأي جين بمفرده التنبؤ باضطراب الوسواس القهري أو التسبب فيه. أظهرت دراسات جينية سابقة أن الجينات في جميع أزواج الكروموسومات الـ 23 لدى الأشخاص قد تساهم في خطر الإصابة باضطراب الوسواس القهري.
على سبيل المثال، كانت العلامات الجينية المرتبطة باضطراب الوسواس القهري نشطة للغاية في عدة مناطق دماغية معروفة بدورها في تطور هذه الحالة. تشارك هذه المناطق الدماغية مجتمعةً في التخطيط، واتخاذ القرار، والتحفيز، واكتشاف الأخطاء، وتنظيم المشاعر، والخوف والقلق، وكلها وظائف يمكن أن تتعطل في اضطراب الوسواس القهري.
كما وجد الباحثون أيضًا ارتباطات بمنطقة دماغية تُسمى الوطاء، والتي تُحوّل مشاعر كالخوف والغضب والقلق والإثارة إلى استجابات جسدية. لم يُربط الوطاء ارتباطًا مباشرًا باضطراب الوسواس القهري من قبل، ولكنه جزء من شبكة مناطق دماغية قد تُسهم في أعراضه.
بالإضافة إلى ذلك، وجدوا أن أنواعًا معينة من خلايا الدماغ – وخاصةً الخلايا العصبية الشوكية المتوسطة في منطقة دماغية تُسمى الجسم المخطط – ترتبط ارتباطًا وثيقًا بجينات اضطراب الوسواس القهري. تلعب الخلايا العصبية الشوكية المتوسطة دورًا مهمًا في تكوين العادات، وهي العملية التي يصبح من خلالها السلوك تلقائيًا واعتياديًا – التفكير في القهر. تُعدّ مستقبلات مُحددة على الخلايا العصبية الشوكية المتوسطة أهدافًا شائعة للأدوية التي تُستخدم أحيانًا للمساعدة في علاج اضطراب الوسواس القهري.
ومن المثير للدهشة أن الباحثين وجدوا أيضًا تداخلات وراثية بين الحالات المرتبطة باضطراب الوسواس القهري المناعي. فبينما يبدو أن الإصابة باضطراب الوسواس القهري مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بالربو والصداع النصفي، إلا أنها قد ترتبط أيضًا بانخفاض خطر الإصابة بمرض التهاب الأمعاء. قد تؤدي هذه النتائج إلى رؤى جديدة حول دور الجهاز المناعي والالتهاب في صحة الدماغ.
كارول ماثيوز، أستاذة الطب النفسي، جامعة فلوريدا
المصدر: The Conversation
اقرأ أيضا: