عجائب الكائنات: كيف تعرف الطيور المهاجرة وجهتها؟

تعتمد الطيور على تقنيات مذهلة بعضها لا يزال مجهولا للعلم
تعتمد الطيور على تقنيات مذهلة بعضها لا يزال مجهولا للعلم
كتب – باسل يوسف:

في كل عام، تهاجر مليارات الطيور من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وبالعكس ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وبالعكس. وتقطع آلاف الكيلومترات للوصول إلى وجهاتها الموسمية. بعض الطيور، مثل طائر الخرشنة القطبي (Sterna paradisaea)، تقطع مسافات خلال حياتها تكفي للسفر إلى القمر ذهابًا وإيابًا.

فكيف تعرف الطيور وجهتها في هذه الرحلات الشاقة؟

تمتلك الطيور ترسانة من الحواس التي تستخدمها لتحديد اتجاهها – بعضها مألوف لنا، وبعضها الآخر لا يزال يتجاوز الفهم البشري.

قالت ميريام ليدفوجل، مديرة معهد أبحاث الطيور في ألمانيا: “نعلم أن الطيور تستخدم مجموعة متنوعة من الإشارات لتحديد اتجاه هجرتها”.

البصر والشم إشارتان أساسيتان تستخدمهما الطيور لتحديد طريقها. إذا هاجرت الطيور مرة واحدة، فمن المرجح أنها ستتذكر المعالم المألوفة، مثل الأنهار والسلاسل الجبلية. من ناحية أخرى، لا تمتلك الطيور المهاجرة فوق الماء سوى معالم أقل لإرشادها. في هذه الظروف، قد تعتمد بشكل أكبر على حاسة الشم؛ فقد وجدت إحدى الدراسات أنه عندما سد الباحثون الممرات الأنفية لطيور بحرية تُسمى طيور سكوبولي (Calonectris diomedea)، لا يزال بإمكانها الطيران فوق اليابسة، لكنها تفقد اتجاهها عند الطيران فوق الماء.

يمكن للطيور أيضًا استخدام الشمس والنجوم كأدلة. للقيام بذلك، تستخدم الطيور التي تطير خلال النهار “بوصلة شمسية”، تجمع بين رؤية الطيور لموقع الشمس في السماء وإدراكها الداخلي للوقت من اليوم بناءً على إيقاعها اليومي. بدمج هذين المُدخلين، يمكن للطيور تحديد اتجاهها، مثل ساعة شمسية حية. تُظهر الأبحاث أن تعطيل إيقاع الطيور اليومي بالضوء الاصطناعي يمنعها من التنقل بدقة، ما يُظهر أهمية بوصلة الشمس.

ومع ذلك، فإن معظم الطيور تهاجر في الواقع ليلًا، ما يعني أن موقع الشمس لا يُفيدها كثيرًا. في هذه الحالة، تعتمد الطيور على مواقع النجوم ودورانها لتحديد طريقها. تستخدم هذه البوصلة النجمية من خلال معرفة مواقع النجوم حول القطب السماوي، والذي يُشار إليه تقريبًا بنجم الشمال (بولاريس)، وهو النجم نفسه الذي استخدمه البشر للتنقل منذ آلاف السنين.

الحقول المغناطيسية

ولكن ماذا لو كانت السماء غائمة، والطيور لا ترى الشمس أو النجوم أو أي معالم؟ هنا تبرز حواس الطيور الأكثر غرابة. تستطيع الطيور تحديد طريقها حتى في غياب الشمس أو النجوم، ويعود الفضل في ذلك جزئيًا إلى حاسة تُسمى “الإدراك المغناطيسي”. تُمكّن هذه الحاسة الطيور من إدراك المجالات المغناطيسية للأرض، والتي تُولّدها المعادن المنصهرة المتموجة في نواة كوكبنا. قد يبدو هذا الإنجاز ضربًا من الخيال العلمي، لكن الأبحاث تُظهر أن التلاعب بالمجالات المغناطيسية له تأثير كبير على الطيور؛ على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن تغيير المجالات المغناطيسية حول الحمام يُعطّل قدرتها على العودة إلى الوطن.

في حين أنه من الواضح أن الطيور قادرة على الإدراك المغناطيسي، إلا أن كيفية قيامها بذلك غير مؤكدة تمامًا. قال بيتر هور، أستاذ الكيمياء بجامعة أكسفورد، إن الطيور لا بد أن تستخدم نوعًا من التفاعلات الكيميائية التي تعتمد نتيجتها على قوة واتجاه المجال المغناطيسي للأرض. هناك نظريتان محتملتان لتفسير كيفية حدوث هذا التفاعل، لكن هور يُرجح وجود جزيء يُسمى الكريبتوكروم، وهو موجود في شبكية عيون الطيور.

أكد الباحثون في المختبر أن الكريبتوكروم المعزول يستجيب للمجالات المغناطيسية، وأن هذا التفاعل يتطلب ضوءًا أزرق، والذي ثبت أيضًا أنه ضروري لاستقبال المجال المغناطيسي لدى الطيور. ومع ذلك، لا يزال الباحثون غير متأكدين تمامًا من مدى حساسية الكريبتوكروم الكافية لالتقاط التغيرات الطفيفة في المجال المغناطيسي للأرض.

قال هور: “لا نعرف سوى القليل عن تفاصيل كيفية عمل هذه البوصلة. أعني، لا نعرف حتى عدد جزيئات الكريبتوكروم الموجودة في شبكية عيون الطيور”.

يشير بعض الأبحاث أيضًا إلى آلية استشعار مغناطيسي داخل مناقير الطيور. ووجدت الدراسات مستقبلات تتفاعل مع الماجناتيت، وهو معدن حديدي، في الجزء العلوي من مناقير الطيور. تتصل هذه المستقبلات بالدماغ عبر مسارات عصبية مهمة، ما يشير إلى أنها قد تكون تقنية أخرى تستخدمها الطيور لقياس شدة المجال المغناطيسي.

بالإضافة إلى الاستشعار المغناطيسي، تستطيع الطيور الحصول على معلومات حول اتجاهها من خلال استشعار الضوء المستقطب – وهو نوع من الضوء تتذبذب فيه الموجات في مستوى محدد ومتساوٍ. يصبح ضوء الشمس مستقطبًا بطرق يمكن التنبؤ بها عندما يتشتت الضوء عبر الغلاف الجوي للأرض. باستخدام خلايا خاصة في شبكية العين، تستطيع الطيور استشعار هذه الأنماط، ما يمنحها معلومات عن موقع الشمس في السماء، حتى في حالة الغيوم.

كيف تعمل الآلية؟

كما نعتمد نحن البشر على رؤيتنا خلال النهار، وأحيانا قد نستخدم أيادينا لتوجيه أنفسنا في غرفة ذات إضاءة خافتة ليلًا، تستخدم الطيور حواسًا مختلفة في أوقات مختلفة.

قالت ليدفوجل: “من المرجح أن الطيور تدمج إشارات بوصلتها للتنقل، ونحن على يقين تام من أن الإشارات المختلفة لها أهمية متفاوتة خلال رحلتها”. وأشار هور إلى ذلك أيضًا؛ فالحس المغناطيسي، على سبيل المثال، يكون أقل فائدة خلال العواصف الرعدية أو فترات النشاط الشمسي العالي، وكلاهما يمكن أن يُعطّل المجالات المغناطيسية للأرض، على حد قوله.

في نهاية المطاف، تستند جميع هذه الاستراتيجيات إلى الدافع الجيني للهجرة لدى الطيور. وأوضحت ليدفوجل أن آباء الطيور تورث غريزة الهجرة لصغارها، وأن المسافة والاتجاه الذي تطير فيه يعتمدان بشكل أساسي على الجينات. ولا يزال باحثون مثل ليدفوجل يبحثون بدقة عن الجينات المسؤولة وكيفية عملها.

وأكد كلا العالمين أن فهم هذه الأنظمة سيكون ضروريًا لمستقبل الحفاظ على الطيور. وأصبح نقل أنواع الطيور أو إعادة توطينها في البرية محورًا رئيسيًا لجهود الحفاظ على الحياة البرية، ولكن حتى الآن، كانت النتائج متباينة؛ فقد وجد أحد التحليلات أنه في 45% من الدراسات، غادرت الطيور مواقعها الجديدة.

قال هور: “لم تُكلّل الجهود البشرية لنقل هذه الطيور بالنجاح. ويعود ذلك جزئيًا إلى براعتها في الملاحة، فإذا أُزيحوا من أماكنهم، عادوا ببساطة”.

المصدر: Live Science

اقرأ أيضا:

الكاسواري: أخطر طيور العالم شبيه الديناصورات

قد يعجبك أيضًأ