كتبت – شيرين فرج:
يبدو أن الأيام والسنوات تمر بسرعة، ما يجعلنا نتساءل عما تغير. هل هي حياتنا المزدحمة فقط، أم أن هناك شيئًا أعمق يحدث في أدمغتنا؟
يغوص العلماء في هذا اللغز القديم لاكتشاف سبب شعورنا بأن الوقت يتسابق ضدنا.
الإدراك البشري للوقت
من التغييرات في كيفية معالجة عقولنا للمعلومات إلى الروتين الذي يشكل حياتنا اليومية، هناك الكثير يحدث خلف الكواليس.
يقترح أدريان بيجان، الباحث في جامعة ديوك أن إدراكنا للوقت يتغير بسبب التغيرات الجسدية في أدمغتنا وأجسادنا مع تقدمنا في العمر.
باختصار: لماذا نشعر بأن بعض الأيام أطول أو أقصر من غيرها؟ ولماذا يبدو أن الوقت يمر بسرعة مع تقدمنا في العمر؟
“وقت الساعة” مقابل “وقت العقل”
وفقًا لبيجان، هناك فرق بين وقت الساعة القابل للقياس والوقت الذي تدركه عقولنا.
ويوضح أن “وقت الساعة” القابل للقياس ليس هو نفسه الوقت الذي يدركه العقل البشري. “وقت العقل” عبارة عن سلسلة من الصور، أي انعكاسات الطبيعة التي تتغذى على المحفزات من الأعضاء الحسية.
بعبارات أبسط، تعالج أدمغتنا سلسلة من الصور العقلية بناءً على ما نراه ونسمعه ونختبره.
عندما نكون صغارًا، تتلقى أدمغتنا هذه الصور وتعالجها بسرعة أكبر. ومع تقدمنا في السن، تتباطأ هذه المعالجة بسبب التغيرات الجسدية مثل تدهور المسارات العصبية.
لماذا تبدو بعض الأيام أطول
هل لاحظت أن الأيام المليئة بتجارب جديدة أو إنتاجية تبدو أطول؟ وذلك لأن عقلك يعالج المزيد من المعلومات ويخلق المزيد من الصور العقلية.
عندما تحصل على قسط كافٍ من الراحة، يعمل عقلك بكفاءة أكبر، ما يسمح لك باستيعاب المزيد من العالم من حولك.
فكر في الرياضيين الذين يؤدون أفضل أداء عندما يكونون مرتاحين. يلاحظ بيجان: “إن قلة الراحة تجعلك تفوت اللعبات، وغير قادر على توقعها، وغير قادر على رؤية الكرة قبل وصولها”.
ينطبق نفس الشيء على الطلاب الذين يؤدون الامتحانات؛ فالعقل الذي حصل على قسط كافٍ من الراحة يمكنه العمل على حل المشكلات بشكل أكثر شمولاً، ما يجعل فترة الامتحان تبدو أطول.
إدراك الوقت بناءً على الروتين
تقدم سيندي لوستيج، أستاذة علم النفس بجامعة ميشيجان، زاوية أخرى. فهي تشير إلى أنه مع تقدمنا في السن، تصبح حياتنا غالبًا أكثر روتينية.
تقول لوستيج: “عندما نكبر، نميل إلى أن تكون حياتنا أكثر تنظيمًا حول الروتين، وأقل من الأحداث المهمة الكبرى التي نستخدمها لترسيم عصور مختلفة من وقت حياتنا”.
مع قلة التجارب الجديدة، تجمع أدمغتنا الأيام والأسابيع المتشابهة معًا. وقد يجعل هذا الوقت يبدو وكأنه يمر بسرعة أكبر لأن هناك عددًا أقل من الأحداث التي لا تنسى للتمييز بين فترة وأخرى.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
في العصر الرقمي اليوم، يمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا إلى تشويه إحساسنا بالوقت. عندما نغوص في تطبيقاتنا المفضلة، نلتقي بسيل لا نهاية له من المنشورات ومقاطع الفيديو والتحديثات التي تحفز حواسنا باستمرار.
يمكن أن يؤدي هذا الانخراط المستمر إلى تحويل الدقائق إلى ساعات دون أن نلاحظ ذلك. غالبًا ما يشجع تصميم هذه المنصات على الاستخدام المطول من خلال ميزات مثل التمرير اللانهائي وتشغيل مقاطع الفيديو تلقائيًا، والتي يمكن أن تحبسنا في حلقة حيث نفقد مسار الوقت الذي مر بالفعل.
علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى الحرمان من النوم، خاصة عندما نبقى مستيقظين حتى وقت متأخر من الليل ونتصفح خلاصاتنا.
يؤثر نقص النوم الكافي على وظائفنا الإدراكية، ما يجعل من الصعب علينا معالجة المعلومات بكفاءة. يمكن أن يؤدي هذا إلى تغيير إدراكنا للوقت بشكل أكبر، ما يجعل الأيام تبدو أقصر وأقل تذكرًا.
التغيرات الجسدية في الدماغ
يؤكد بيجان أن التغيرات الجسدية في أدمغتنا تساهم بشكل كبير في هذا الإدراك المتغير.
يقول: “إن معدل إدراك التغيرات في الصور الذهنية ينخفض مع تقدم العمر بسبب العديد من السمات الجسدية التي تتغير: تردد حركات العين السريعة، وحجم الجسم، وتدهور المسارات، وما إلى ذلك”.
مع تدهور مساراتنا العصبية بمرور الوقت، تستغرق أدمغتنا وقتًا أطول لمعالجة المعلومات الجديدة.
تعني سرعة المعالجة البطيئة هذه أننا نولد عددًا أقل من الصور الذهنية في نفس مقدار الوقت، ما يجعل الوقت يبدو وكأنه يمر بشكل أسرع.
ما الذي يحدث حقًا مع الوقت؟
ربما تكون الحقيقة مزيجًا من كلا المنظورين. فمن المرجح أن يتغير تصورنا للوقت بسبب مجموعة من التغيرات الجسدية في أدمغتنا والطريقة التي نختبر بها الحياة مع تقدمنا في العمر.
مع قلة التجارب الجديدة وبطء سرعة المعالجة، يبدو أن الوقت يتسارع.
ولكن هناك شيء يستحق التفكير فيه: هل يمكننا إبطاء إدراكنا للوقت من خلال البحث بنشاط عن تجارب جديدة والبقاء منخرطين عقليًا؟ الأمر يستحق النظر.
ربما يكمن المفتاح في اليقظة والخروج من الروتين. من خلال إدخال التنوع في حياتنا وتحدي عقولنا، قد نستعيد ذلك الشعور الشبابي بالوقت الممتد أمامنا.
الوقت والإدراك والخبرة الإنسانية
باختصار، يبدو أن شعورنا بأن الوقت يتسارع مع تقدمنا في السن ينبع من التغيرات الجسدية في أدمغتنا والروتين الذي نقع فيه على مر السنين.
مع تقدمنا في العمر، تعالج أدمغتنا المعلومات الجديدة بشكل أبطأ بسبب تدهور المسارات العصبية.
تعني المعالجة البطيئة أننا ندرك عددًا أقل من الصور العقلية في نفس مقدار الوقت، ما يجعل الأيام والسنوات تبدو وكأنها تمر بسرعة أكبر.
وفي الوقت نفسه، مع تقدمنا في العمر، نميل إلى أن تكون لدينا حياة أكثر تنظيماً مليئة بالروتين وتجارب جديدة أقل.
هذا الافتقار إلى الأحداث الجديدة يجعل من الصعب على أدمغتنا التمييز بين يوم وآخر، ما يساهم في الشعور بأن الوقت ينزلق بعيدًا.
نشرت الدراسة كاملة في مجلة European Review
اقرأ أيضا: