كتب – باسل يوسف:
على مدى فترات زمنية تتراوح بين عشرات الآلاف وملايين السنين، يتشكل مناخ الأرض بقوى داخلية وخارجية. داخليًا، تؤثر الحرارة الناتجة عن الاضمحلال الإشعاعي والغازات المنبعثة من النشاط البركاني، مثل ثاني أكسيد الكبريت (SO2) وثاني أكسيد الكربون (CO2)، على الظروف الجوية والمحيطية.
خارجيًا، تتسبب التغيرات الدورية في مدار الأرض حول الشمس، في تغيير كمية وتوزيع الطاقة الشمسية التي تصل إلى الكوكب، ما يؤثر على الأنماط الموسمية.
تتفاعل هذه العوامل الداخلية والخارجية من خلال عمليات جيوكيميائية معقدة، ما يُشكّل في النهاية المناخ الذي نعيشه اليوم.
ضبط الوقت الجيولوجي
يقول المؤلف الرئيسي توماس ويسترهولد من مركز ماروم لعلوم البيئة البحرية بجامعة بريمن: “استخدمنا التغيرات الإيقاعية في الإشعاع الشمسي، المطبوعة في البيانات الجيولوجية، لمزامنة أرشيفات المناخ الجيولوجي من جنوب المحيط الأطلسي وشمال غرب المحيط الهادئ. تمتد هذه السجلات الرئيسية حتى قبل 66 مليون سنة”.
يضيف “وهكذا، كانت لدينا سجلات جيولوجية متناسقة زمنيًا تمامًا، ولاحظنا حدوث تغيرين رئيسيين في المناخ والكائنات الحية في الوقت نفسه في كلا المحيطين. ولكن كان علينا إيجاد طريقة لاختبار ما إذا كانت هذه التغيرات ناجمة عن ثورات بركانية واسعة النطاق مرتبطة بمصايد ديكان في الهند”.
تغطي الصخور البازلتية في مصايد ديكان، التي يصل سمكها إلى كيلومترين، جزءًا كبيرًا من غرب الهند. يُطلق علماء الجيولوجيا على هذه النشاطات البركانية واسعة النطاق التي تغمر مناطق بأكملها اسم “المنطقة النارية الكبيرة”. وتسببت هذه النشاطات، في مناسبات عديدة في تاريخ الأرض، في انقراض جماعي للحياة على سطح
الانفجارات البركانية والانقراضات الجماعية
الكوكب. ولعلّ إطلاق الغازات البركانية، مثل الكربون وثاني أكسيد الكبريت، أثناء تشكّل البازلت الفيضاني قد لعب دورًا رئيسيًا.
يقول الباحث المشارك جونيشيرو كورودا (جامعة طوكيو، اليابان)، الذي أجرى التحليلات الجيوكيميائية: “سيترك تشكّل البازلت الفيضاني وما تلاه من تجوية، بصمة جيوكيميائية في المحيط. ولذلك، لجأنا إلى قياس تركيب نظائر الأوزميوم في رواسب جنوب المحيط الأطلسي وشمال غرب المحيط الهادئ. ومن المتوقع أن تُظهر البصمة نفسها في الوقت نفسه”.
يقول توماس ويسترهولد: “فوجئنا باكتشاف خطوتين في تركيب نظائر الأوزميوم في كلا المحيطين، بالتزامن مع مراحل ثوران رئيسية في مصائد ديكان في العصر الطباشيري الأخير. والأكثر إثارة للدهشة أن هاتين الخطوتين كانت لهما تأثيرات مختلفة على البيئة، كما هو مسجل في البقايا الأحفورية في عينات الحفر”.
كانت البيانات الجديدة صعبة الفهم، لكن النمذجة الجيوكيميائية ساعدت في كشف أسرارها. يقول دون بنمان (جامعة ولاية يوتا، الولايات المتحدة الأمريكية)، الذي أجرى النمذجة الجيوكيميائية: “لا بد أن حجم البازلت الفيضاني المتفجر كان أكبر بكثير ما كان يُعتقد سابقًا خلال هذه المرحلة المبكرة من النشاط البركاني في مصيدة ديكان. وكان للانبعاثات المتميزة من الكربون وثاني أكسيد الكبريت المرتبطة بذلك تأثيرات متنوعة على نظام المناخ العالمي”.
ووفقًا للنتائج الجديدة، يبدو من المعقول أنه عند بداية النشاط البركاني الرئيسي في مصيدة ديكان، والذي حُدد تاريخه بشكل مستقل بـ 66.288 مليون سنة باستخدام أساليب النظائر المشعة، حدثت نبضة أولية من الانفجارات البركانية الغنية بالكبريت، ما أجهد النظام البيئي محليًا وربما عالميًا أيضًا.
المصدر: Science Advances
اقرأ أيضا: