كتب – باسل يوسف:
ربما كان نهر النجوم البهي، المتشابك مع الغبار الداكن، الذي يُشكل مستوى درب التبانة في سماء الليل، موجودا في رسوم عمرها آلاف السنين من فنون مصر القديمة.
بعض رسومات إلهة السماء، نوت، التي تظهر على جوانب توابيت مُزخرفة، تحتوي في الواقع على تفسيرات مُصممة للمستوى المجري. جاء هذا في تحليل أجراه عالم الفيزياء الفلكية أور جراور من جامعة بورتسموث في المملكة المتحدة لمئات التوابيت.
يُجادل جراور بأن هذه الرسومات مُفصلة للغاية لدرجة أنها تتضمن حبلًا سميكًا ومتعرجًا من الغبار ينسج عبر تيار النجوم الذي يتدفق عبر سماء الليل.
تُعد الإلهة نوت واحدة من أقدم الآلهة المصرية القديمة، وكانت تُحكم السماء وكل ما فيها. غالبًا ما تُصوَّر كامرأة عارية، جسدها مُغطّى بأجسام كونية كالنجوم والشموس، مُقوّسة كالسماء نفسها فوق أشكال على الأرض.
في ورقة بحثية، اقترح جراور، استنادًا إلى دراسة للنصوص القديمة، أن المصريين القدماء ربما رأوا مستوى درب التبانة كتجلٍّ أو تمثيلٍ لإلهة السماء.
والآن، تابع جراور فرضيته من خلال دراسة الأعمال الفنية المتاحة. تظهر الإلهة بشكل متكرر في الفن الجنائزي، لأن إحدى مهامها كانت حماية الموتى أثناء رحلتهم إلى الحياة الآخرة، لذلك أجرى جراور دراسةً لصور نوت المرسومة على عناصر التوابيت حتى حوالي 4600 عام. في أغلب الأحيان، تظهر الإلهة إما عارية أو مغطاة بالنجوم.
وكشف نعش امرأة عاشت في الأسرة الحادية والعشرين، بين عامي 1077 و943 قبل الميلاد، عن سمة واعدة. كان اسمها نيسيتاودجاتاخت، وهي مغنية مخلصة لموت وآمون رع، وتضمنت لوحة نوت على الجزء الخارجي من نعشها خطًا طويلًا وسميكًا ومتموجًا على طول جسد الإلهة، ونجومًا مرسومة على كلا الجانبين.
يقول جراور “أعتقد أن المنحنى المتموج يمثل مجرة درب التبانة، وربما يكون تمثيلًا للصدع العظيم – ذلك الشريط الداكن من الغبار الذي يخترق شريط الضوء المنتشر الساطع في مجرة درب التبانة. وتُظهر مقارنة هذا الرسم بصورة فوتوغرافية لمجرة درب التبانة التشابه الصارخ”.
هذه ليست اللوحة الوحيدة لنوت التي وجدها والتي تحمل هذه السمة، ولكنها تبدو نادرة جدًا. فقد حدد 4 حالات أخرى فقط كان فيها جسد نوت مصحوبًا بخط طويل متعرج أو مُعلّمًا به، ولم يكن أي منها تابوتًا.
في مقابر رمسيس الرابع والسادس والتاسع، تظهر نوت مرتين، ممثلةً الليل والنهار، مع خط متموج يفصل بين رسمَيها المتتاليين.
يقول جراور إن هذه الندرة تُشير إلى أن نوت ودرب التبانة ليسا مترادفين.
ويوضح: “لم أرَ منحنىً متموجًا مشابهًا في أيٍّ من التمثيلات الكونية الأخرى لنوت، وأعتقد أن ندرة هذا المنحنى تُعزز الاستنتاج الذي توصلتُ إليه في دراسة للنصوص القديمة العام الماضي، وهو أنه على الرغم من وجود صلة بين نوت ودرب التبانة، إلا أنهما ليسا شيئًا واحدًا”.
ويضيف: “نوت ليست تمثيلًا لدرب التبانة. بل إن درب التبانة، إلى جانب الشمس والنجوم، ظاهرة سماوية أخرى يُمكنها أن تُزيّن جسد نوت باعتبارها سماء”.
تُسلّط هذه النتيجة الضوء على مدى جهلنا بالتفاعل المُعقّد بين الروحانية المصرية القديمة والعلم، وكيف صُوّرت آلهتهم ولماذا.
نُشرت الدراسة في مجلة التاريخ والتراث الفلكي.
المصدر: Science Alert
اقرأ أيضا: