كتب – باسل يوسف:
أنشأ باحثون أكبر مخطط دماغي وأكثرها تفصيلًا لدماغ الثدييات حتى الآن، من خلال رسم خريطة للخلايا في مليمتر مكعب من نسيج دماغ فأر. وفي إنجازٍ بارز، يُفصّل المخطط أيضًا نشاط الخلايا العصبية الفردية على نطاق واسع – وهو إنجازٌ غير مسبوق في علم الأعصاب.
تحتوي الخريطة ثلاثية الأبعاد عالية الدقة على أكثر من 200 ألف خلية دماغية، منها حوالي 82 ألف خلية عصبية. كما تتضمن أكثر من 500 مليون نقطة اتصال عصبية تُسمى المشابك العصبية، وأكثر من 4 كيلومترات من المشابك العصبية، وجميعها موجودة في كتلة نسيجية صغيرة في منطقة دماغية مسؤولة عن الرؤية.
أما خريطة الدماغ الوحيدة ذات المقياس المماثل فهي خريطة مليمتر مكعب من دماغ الإنسان، والتي تضمنت 16 ألف خلية عصبية و150 مليون مشبك عصبي. كما التقطت الخريطة الجديدة نشاط عشرات الآلاف من الخلايا العصبية التي تُطلق إشارات وتتفاعل مع بعضها البعض لمعالجة المعلومات البصرية.
تُمثل خريطة نشاط الدماغ هذه، إلى جانب مخطط التوصيلات العصبية، إنجازًا بارزًا في مجال علم التوصيلات العصبية، وهو مجال يهدف إلى توضيح كيفية معالجة الدماغ للمعلومات وتنظيمها. ويقف وراء هذه الجهود الضخمة أكثر من 150 باحثًا في مشروع الذكاء الاصطناعي من الشبكات القشرية (MICrONS)، الذين وصفوا عملهم في حزمة من 8 أوراق بحثية نُشرت في مجلتي Nature وNature Methods.
تقول مارييلا بيتكوفا، عالمة الأعصاب في جامعة هارفارد في كامبريدج، ماساتشوستس، التي لم تشارك في المشروع: “لقد نجحوا في تحقيق شيء لم نقم به كمجتمع علم أعصاب في تاريخنا تقريبًا، وهو رسم خريطة لنشاط الخلايا العصبية على التوصيلات العصبية لمجموعة كبيرة جدًا من الخلايا العصبية. لم نشهد مثل هذا الإنجاز بهذا الحجم من قبل”.
يقول فورست كولمان، عالم الأعصاب في معهد ألين لعلوم الدماغ في سياتل، واشنطن، والمؤلف المشارك في الدراسات، إن البيانات “مذهلة الجمال حقًا.. مجرد النظر إليها يُثير فيك شعورًا بالتعقيد في الدماغ يُشبه إلى حد كبير النظر إلى نجوم الليل”.
لإنشاء هذه الخريطة المبتكرة، سجل الباحثون أولًا نشاط نحو 76 ألف خلية عصبية في القشرة البصرية لفأر أثناء مشاهدته مقاطع فيديو متنوعة، بما في ذلك مقاطع من فيلم “الماتريكس”، لمدة ساعتين. ثم قسموا ملليمتر مكعب من دماغ الفأر إلى آلاف الشرائح النسيجية، يبلغ عرض كل منها حوالي واحد على 400 من عرض شعرة الإنسان.
صوّر العلماء كل شريحة وجمعوا الصور في خريطة ثلاثية الأبعاد. وأخيرًا، استخدموا خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتوضيح الخلايا العصبية، وتفرعاتها، ومشابكها العصبية. وطابق الفريق أيضًا الخلايا العصبية في الخريطة مع تسجيلاتهم لخلايا الدماغ أثناء عملها.
يقول موريتز هيلمستيدتر، عالم الأعصاب في معهد ماكس بلانك لأبحاث الدماغ في فرانكفورت، ألمانيا، إن “الجمع بين الوظيفة والبنية بهذا الحجم” أمر غير مسبوق. إنه مسعى ونجاح مثير للإعجاب”.
وتغطي الخريطة المنشورة حديثًا حوالي 0.2% من دماغ الفأر، لكن فريق MICrONS سيختبر التقنيات لرسم خريطة لدماغ الحيوان بالكامل، كما يقول نونو ماساريكو دا كوستا، عالم التشريح العصبي في معهد ألين ومؤلف مشارك آخر في أوراق MICrONS.
المصدر: Nature
اقرأ أيضا: