دراسة.. الذاكرة ليست لعبة المخ وحده

الدماغ البشري لا يحتكر الذكريات وحده.. صورة تعبيرية
الدماغ البشري لا يحتكر الذكريات وحده.. صورة تعبيرية
الدماغ البشري لا يحتكر الذكريات وحده.. صورة تعبيرية
كتب – باسل يوسف:

لفترة طويلة جدًا، كان الاعتقاد الراسخ بأن الذاكرة والتعلم هما القوة الوحيدة للدماغ. ويتمثل جوهر هذا الاعتقاد في حقيقة أن أدمغتنا، وخاصة خلايا المخ، تخزن الذكريات.

ومع ذلك، فإن فريقًا من الباحثين يختلفون مع هذا الرأي، ويقترحون أن الخلايا في أجزاء أخرى من الجسم تشارك في وظيفة الذاكرة.

توفر لنا هذه الدراسة المثيرة للتفكير فهمًا جديدًا لآليات الذاكرة وتمهد الطريق للتقدم المحتمل في التعلم وعلاج الأمراض المرتبطة بالذاكرة.

فهم الذاكرة – الأساسيات

الذاكرة تشبه نظام الملفات الشخصي في دماغك. عندما تختبر شيئًا جديدًا – مثل مقابلة صديق أو تعلم حقيقة – يقوم دماغك بتشفير هذه المعلومات عن طريق تحويلها إلى أنماط من النشاط العصبي.

تُخزن هذه الأنماط في أجزاء مختلفة من دماغك، اعتمادًا على نوع المعلومات. على سبيل المثال، قد تُخزن الذكريات البصرية في المناطق المسؤولة عن معالجة الصور، بينما تجد الحقائق والأرقام طريقها إلى المناطق التي تتعامل مع اللغة والمنطق.

يحدث استرجاع الذكريات عندما يحتاج دماغك إلى الوصول إلى تلك الأنماط المخزنة. إنه يشبه البحث عن ملف على جهاز الكمبيوتر الخاص بك.

إذا كنت تريد تذكر عيد ميلاد شخص ما، فإن دماغك ينشط المسارات العصبية ذات الصلة لإعادة تلك المعلومات إلى عقلك الواعي.

في بعض الأحيان، تكون هذه العملية سلسة، ولكن في أوقات أخرى قد تكون الذكريات غامضة أو مختلطة بعض الشيء، خاصة إذا لم تكن تحتاج الوصول إليها بشكل متكرر. لهذا السبب قد تكافح لتذكر شيء لم تفكر فيه منذ فترة.

ذاكرتك ليست مثالية، ويمكن أن تتغير بمرور الوقت. في كل مرة تتذكر فيها أمرا، قد يلجأ دماغك إلى تحديثها بمعلومات أو مشاعر جديدة، ما قد يجعل الذاكرة أقوى أو مختلفة قليلاً عن الحدث الأصلي. يمكن لعوامل مثل النوم والتوتر وحتى التغذية أن تؤثر على مدى جودة عمل ذاكرتك.

تكوين الذاكرة والخلايا

يقول نيكولاي ف. كوكوشكين من جامعة نيويورك، المؤلف الرئيسي للدراسة: “إن التعلم والذاكرة يرتبطان عمومًا بالأدمغة والخلايا الدماغية وحدها، ولكن دراستنا تظهر أن الخلايا الأخرى في الجسم يمكنها التعلم وتكوين الذكريات أيضًا”.

كان هدف البحث واضحًا ومباشرًا – وهو التحقيق فيما إذا كانت الخلايا غير الدماغية تساهم في الذاكرة. واستخدم العلماء الخاصية العصبية المعروفة باسم تأثير المساحة المتراكمة.

يؤكد هذا المبدأ أن قدرتنا على الاحتفاظ بالمعلومات تكون أفضل عند دراسة المعلومات في فترات متباعدة بدلاً من تكديسها في جلسة واحدة مكثفة.

اختبار الذاكرة في الخلايا غير الدماغية

في هذه الدراسة، أجرى العلماء محاكاة عملية التعلم المتباعد من خلال فحص نوعين من الخلايا البشرية غير الدماغية – واحدة من الأنسجة العصبية والأخرى من أنسجة الكلى – في بيئة معملية.

تعرضت هذه الخلايا لأنماط متفاوتة من الإشارات الكيميائية، على غرار تعرض خلايا الدماغ لأنماط الناقل العصبي عندما نتعلم معلومات جديدة.

المفاجئ أن هذه الخلايا غير الدماغية قامت أيضًا بتشغيل “جين الذاكرة” – نفس الجين الذي تنشطه خلايا الدماغ عندما تكتشف أنماط المعلومات وتعيد تنظيم اتصالاتها لتكوين الذكريات.

إذن، كيف قاس العلماء عملية الذاكرة والتعلم؟

اعتمدوا على هندسة الخلايا غير الدماغية ببراعة لتوليد بروتين متوهج، والذي يحدد ما إذا كان جين الذاكرة نشطًا أم خاملًا.

خلايا الذاكرة والتعلم والنبضات

تبين أن هذه الخلايا كانت قادرة على التمييز بين تكرار النبضات الكيميائية (التي تحاكي اندفاعات الناقلات العصبية في الدماغ) بدلاً من مجرد إطالتها – تمامًا مثل الخلايا العصبية في أدمغتنا عندما نختار الدراسة المتقطعة بدلاً من التكديس المستمر.

عند توصيل النبضات على فترات، نشطت “جين الذاكرة” بشكل أكثر كثافة ولفترة أطول ما كانت عليه عند إعطاء نفس العلاج دفعة واحدة – وهو دليل مثالي على تأثير الفضاء المتراكم.

يقول كوكوشكين، الأستاذ المشارك في علوم الحياة السريرية في دراسات ليبرال يونيفرستي وزميل الأبحاث في مركز علوم الأعصاب في يونيفرستي نيويورك: “يعكس هذا تأثير الفضاء المتراكم في العمل.. ويُظهر أن القدرة على التعلم من التكرار المتباعد ليست فريدة من نوعها لخلايا الدماغ، ولكنها في الواقع قد تكون خاصية أساسية لجميع الخلايا”.

كيفية عمل الذاكرة

لا يقدم هذا البحث على الخلايا غير الدماغية آفاقًا جديدة لدراسة الذاكرة فحسب، بل إنه يحمل أيضًا وعودًا بفوائد صحية محتملة.

يقول كوكوشكين: “يفتح هذا الاكتشاف أبوابًا جديدة لفهم كيفية عمل الذاكرة وقد يؤدي إلى طرق أفضل لتعزيز التعلم وعلاج مشاكل الذاكرة”.

“في الوقت نفسه، يشير إلى أنه في المستقبل، سنحتاج إلى التعامل مع أجسامنا بشكل أكثر مثل الدماغ – على سبيل المثال، النظر في ما يتذكره البنكرياس لدينا عن نمط وجباتنا السابقة للحفاظ على مستويات صحية من جلوكوز الدم أو النظر في ما تتذكره خلية السرطان عن نمط العلاج الكيميائي”.

اقرأ أيضا:

مليارات من الاتصالات العصبية الجديدة في أدمغة الطفل عند الولادة

قد يعجبك أيضًأ