كتب – باسل يوسف:
تحتوي كبسولة زمنية حية متجمدة في أعماق بحيرة إنجما في القارة القطبية الجنوبية على نظام بيئي فريد من نوعه، معزول عن بقية العالم منذ تجمد سطحه بشكل دائم.
الآن، استعاد العلماء عينات من الميكروبات الفريدة، التي نجت في غرفة ضخمة من المياه العذبة السائلة تحت أكثر من 9 أمتار من الجليد الصلب.
من المحتمل أن يكون هذا النظام البيئي موجودًا داخل المخابئ الجليدية لمدة 14 مليون عام، عندما تجمدت البحيرة لأول مرة في نهاية فترة أكثر دفئًا على الأرض.
كان يُعتقد أن بحيرة إنجما متجمدة تمامًا، لأنها تقع في سفوح التلال الشمالية للقارة القطبية الجنوبية، بين الأنهار الجليدية غير المتبلورة والصلصالية، وهي منطقة يبلغ متوسط درجة حرارتها -14 درجة مئوية.
بقيادة علماء الأحياء الدقيقة فرانشيسكو سميديلي وفيوليتا لا كونو من المعهد الإيطالي للعلوم القطبية، والجيوفيزيائي ستيفانو أوربيني من المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء وعلم البراكين، استخدم فريق البحث رادارًا يخترق الأرض لاستكشاف تكوين البحيرة، واكتشاف الفقاعة السائلة المخفية وحفر عينات من الماء بداخلها.
وقال الفريق “تدعم بحيرة إنجما نظامًا بيئيًا ميكروبيًا متنوعًا من الناحية التطورية وعالي الكتلة الحيوية، وهو فريد من نوعه بين البحيرات الجليدية الدائمة في القارة القطبية الجنوبية.. من المرجح أن تمثل الكائنات الحية الدقيقة العوالقية والقاعية المختومة بالجليد في بحيرة إنجما كائنات حية موروثة مستمرة نشأت من النظام البيئي الميكروبي القديم للبحيرة قبل التجمد”.
اكتشفوا أن هذه المخلوقات المختلفة تشغل أدوارًا مختلفة داخل شبكة غذائية مائية بسيطة، تتراوح من الإنتاج الأولي عن طريق التمثيل الضوئي، إلى التعايش الخارجي والافتراس. ومن بينها أنواع من Pseudomonadota وActinobacteriota وBacteroidota، إلى جانب وفرة غير متوقعة من Patescibacteria المزدهرة في عمود المياه الجوفية.
كشفت كاميرا صغيرة أن قاع البحيرة مغطى بحصائر ميكروبية متنوعة بيولوجيًا، تهيمن عليها البكتيريا الزرقاء المنتجة للأكسجين.
كان بعض هذه الحصائر يشبه “سجادة سميكة مجعدة”، مع نتوءات عرضية من “هياكل كبيرة غير متبلورة تشبه الأشجار” يبلغ ارتفاعها 40 سنتيمترًا ويصل قطرها إلى 60 سنتيمترًا. كشف موقع حفر آخر عن أن المادة اللزجة البكتيرية شكلت منظرًا طبيعيًا من قمم تشبه الكثبان الرملية.
يعتقد العلماء أن عمود الماء شديد الثبات والضغط والطبقات الكيميائية، والذي يبلغ عمقه 12 مترًا على الأقل، ربما “يتغذى” على الجليد غير المتبلور القريب.
اكتشاف أعضاء من شعبة البكتيريا الفائقة باتيسيباكتيريا أمر مثير للاهتمام بشكل خاص لأنه على الرغم من العثور عليها في بيئات أخرى منخفضة الأكسجين في القارة القطبية الجنوبية، إلا أنه لم تكتشف سابقا في بحيرة مغطاة بالجليد.
يحتوي عمود الماء في بحيرة إنجما على مستويات عالية بشكل غير طبيعي من الأكسجين المذاب – وهو ليس الموطن المعتاد لبكتيريا باتيسيباكتيريا.
يُعتقد أن هذه الشعبة الفائقة تشكل جزءًا كبيرًا من التنوع الميكروبي على الأرض، ومع ذلك فهي تتجنب الكشف عنها في اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل، مما أكسبها لقب “المادة المظلمة الميكروبية”.
هذه البكتيريا صغيرة للغاية وبسيطة للغاية، وتفتقر إلى العديد من القدرات المعتادة للميكروبات الأخرى. ونتيجة لذلك، فإنها تتعايش دائمًا تقريبًا مع بكتيريا أخرى أو بكتيريا قديمة.
ويشير المؤلفون إلى أن “بكتيريا Patescibacteria الصغيرة جدًا على وجه الخصوص قد تلعب أدوارًا غير عادية في النظام البيئي للبحيرة لا تلعبها البحيرات القطبية الجنوبية المغطاة بالجليد الأخرى”.
نُشر البحث في مجلة Communications Earth & Environment.