كتبت – شيرين فرج:
تقدر منظمة الصحة العالمية أن الكحول يقتل 3 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم كل عام. بعبارة أخرى، الكحول هو سبب 5.3٪ من جميع الوفيات البشرية سنويًا. حوالي 1 من كل 20 حالة وفاة في جميع أنحاء العالم هي نتيجة لمرض مرتبط بالكحول أو إصابة أو حادث أو قتل أو انتحار.
كما يعد الكحول ثالث سبب رئيسي للسرطان بعد التدخين والسمنة.
ولكن كيف يسبب الكحول السرطان؟
تشير الأبحاث إلى أن الكحول يدفع السرطان بخمس آليات مختلفة على الأقل، مع زيادة خطر الإصابة بالسرطان كلما زاد معدلات تعاطي الكحوليات. وقد تكون التأثيرات المسرطنة للكحول أكثر وضوحًا لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي للإصابة بالسرطان.
تحتوي المشروبات الكحولية على الإيثانول، الذي يُسمى أيضًا الكحول الإيثيلي، وهذا هو محور الآلية الأولى التي يتسبب بها الكحول في الإصابة بالسرطان. يمكن للإيثانول أن يعطل عملية ميثلة الحمض النووي، وهي العملية التي تلتصق فيها الجزيئات بجزيئات الحمض النووي وبالتالي تحدد ما إذا كان الجين نشطًا. هناك جينات مسؤولة عن قمع نمو الورم، وتُظهر الأبحاث أن ميثلة مثل هذا الجين “تعمل على إيقافه” بشكل فعال، ما يؤدي إلى تطور الورم.
يظل الإيثانول مشكلة حتى عندما يبدأ الجسم في تكسيره. في البداية، يحوله إنزيم إلى مادة كيميائية تسمى الأسيتالدهيد.
قالت الدكتورة نويل لوكونتي، الأستاذة المساعدة في الطب في كلية الطب والصحة العامة بجامعة ويسكونسن، لمجلة لايف ساينس: “يعتبر كل من الإيثانول والأسيتالدهيد مسببين للسرطان وعندما يلمسان بطانة الفم أو الحلق أو المريء، يمكن أن يسبب السرطان”.
مثل الإيثانول، يمكن للأسيتالدهيد أيضًا تعطيل عملية ميثلة الحمض النووي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأسيتالدهيد يلحق الضرر المباشر بالحمض النووي ويعيق تخليق الحمض النووي وإصلاحه. ولأن الحمض النووي يوفر التعليمات اللازمة لنمو الخلايا، فإن الحمض النووي التالف يمكن أن يتسبب في نمو الخلايا بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ما يؤدي إلى تكوين الورم. والخلايا الموجودة في الفم والكبد، حيث يتم تكسير الكحول إلى الأسيتالدهيد، معرضة بشكل خاص لهذا النوع من تلف الحمض النووي.
وتتضمن آلية ثالثة جزيئات ضارة تسمى أنواع الأكسجين التفاعلية (ROS). هذه الجزيئات هي منتجات ثانوية طبيعية لعملية التمثيل الغذائي للخلايا، ولكن إذا تراكم الكثير منها، فقد يتسبب ذلك في إجهاد تأكسدي يتلف الحمض النووي.
أظهرت الأبحاث أن الإفراط في تناول الكحول يزيد من مستويات إنزيم CYP2E1 في المريء؛ وعادة ما يقوم الإنزيم باستقلاب الأدوية. وتزيد المستويات العالية من CYP2E1 من إنتاج أنواع الأكسجين التفاعلية الضارة بالحمض النووي، ما يؤدي إلى حدوث طفرات جينية وأورام. كما تعطل أنواع الأكسجين التفاعلية سلوك الخلايا، ما يتسبب في تكاثر الخلايا وانتشارها بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
وفي الكبد، تعمل أنواع الأكسجين التفاعلية على تحفيز إنتاج المواد الالتهابية والبروتين الليفي الكولاجين، ما يؤدي إلى (تليف الكبد)، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بسرطان الكبد، كما قال لوكونتي.
وتتضمن الآلية الرابعة التي تربط الكحول بالسرطان تأثيره على مستويات هرمون الاستروجين.
وأوضحت لوكونتي: “يرفع الكحول مستويات هرمون الاستروجين في الدم.. وهو “الوقود” لبعض أنواع سرطان الثدي”. ويعتقد العلماء أنه عندما يكون لدى الخلايا السرطانية مستقبل يمكن للإستروجين الاتصال به، ويمكن أن يجعل الخلية السرطانية أكثر نشاطًا، ويزيد من نموها وانتشارها. وتشير الأبحاث إلى أن الكحول يمكن أن يؤدي إلى تكوين أورام الثدي ويؤدي أيضًا إلى تفاقم سرطان الثدي الموجود.
وتشير الآلية الخامسة التي تربط الكحول بالسرطان إلى أنه يمكن أن يعمل كمذيب للجزيئات المسببة للسرطان من مصادر أخرى، مثل دخان التبغ. تذوب هذه الجزيئات الضارة في الكحول، وهذا يجعل من السهل عليها اختراق الأنسجة المختلفة والتسبب في تلف الحمض النووي داخلها. ويزيد هذا التأثير من خطر الإصابة بالسرطان في الفم والحلق، على وجه الخصوص.
وأشارت لوكونتي إلى أن العلاقة بين الكحول وسرطانات القولون والمستقيم “أقل وضوحاً” مقارنة بسرطان الفم والحلق والكبد. “ولكننا نعتقد أن الأمر قد يكون له علاقة باستقلاب حمض الفوليك”.
حمض الفوليك هو عنصر غذائي مهم يساعد في تكوين خلايا الدم ويشارك أيضاً في ميثلة الحمض النووي. ولكن شرب الكثير من الكحول يمكن أن يقلل من مستويات حمض الفوليك في الجسم. وقد يؤدي نقص حمض الفوليك الناجم عن الكحول إلى تلف الحمض النووي، وبالتالي الإصابة بالسرطان.
ومن المثير للاهتمام أن إحدى الدراسات وجدت أن الأشخاص الذين يشربون الكحول ولكن لديهم أيضاً مستويات عالية من حمض الفوليك من خلال النظام الغذائي والمكملات الغذائية لديهم خطر أقل للإصابة بسرطان الكبد، مقارنة بالأشخاص الذين يشربون ولكن لديهم مستويات منخفضة من حمض الفوليك. ويشير العديد من الدراسات إلى أنه لدى الأشخاص الذين يستهلكون كميات متوسطة إلى عالية من الكحول، قد يساعد تناول حمض الفوليك العالي في الحماية من سرطان القولون.
اقرأ أيضا: