للمرة الأولى.. علماء يعيدون محاكاة شرارة الحياة

فتحة حرارية مائية مدخنة سوداء على سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي
فتحة حرارية مائية مدخنة سوداء على سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي
كتب – باسل يوسف:

يُرجّح أن الحياة على الأرض بدأت في “حدائق كيميائية” دافئة تحت الماء، غنية بالهيدروجين والحديد. وأجرى باحثون من ألمانيا محاكاة لهذه البيئة في قارورة، ووجدوا أن أشكال الحياة القديمة التي تعيش في أعماق البحار اليوم قادرة على الازدهار في ظل هذه الظروف البدائية.

من الصعب تخيّل كيف بدأت الحياة على كوكبنا. ففي النظم البيئية اليوم، تتشابك الحياة بعمق مع بعضها البعض لدرجة أن قلة قليلة من الكائنات الحية تعيش مباشرة على المواد الخام للأرض. وهذا هو الحال منذ زمن طويل جدًا.

لكن الكائنات الحية الأولى على كوكب خالٍ من الحياة كان عليها أن تكتفي بما توفره البيئة المعدنية. كان الأكسجين قليلًا أو معدومًا، ولم تكن عملية التمثيل الضوئي قائمة. ولا تزال بعض كائنات أعماق البحار تعيش بهذه الطريقة، على الفتحات الحرارية المائية في أعماق لا ترى الشمس.

تستعير ميكروبات أعماق البحار، الإلكترونات، من الهيدروجين أثناء قذفه من لب الأرض، وتتبع وصفة أقدم من الجينات التي تستخدمها لتوصيله، تُسمى مسار أسيتيل CoA. وهي الطريقة الوحيدة لتثبيت الكربون – أي معالجة الكربون غير العضوي وتحويله إلى مركبات عضوية – التي يمكن إعادة تكوينها بدون إنزيمات.

وعندما كُتبت هذه الوصفة لأول مرة، في السنوات الأولى لنشأة الأرض، كانت مياه البحر تحتوي على كميات من الحديد المذاب أكبر بكثير مما هي عليه اليوم. أراد فريق بقيادة عالمة الكيمياء الجيولوجية فانيسا هيلمبريخت من جامعة لودفيج ماكسيميليان في ميونيخ بألمانيا، اختبار مدى الفارق الذي كان سيُحدثه هذا الحديد المذاب، من خلال محاكاة ظروف المحيط القديمة في المختبر.

كتب الفريق في ورقته البحثية التي تصف التجربة: “يمتد الوجود القديم للرواسب الحرارية المائية الغنية بكبريتيد الحديد في السجل الجيولوجي إلى أوائل الدهر الأركي (منذ 4 إلى 3.6 مليار سنة)، وتُظهر سمات أحفورية تُفسر على أنها من أقدم الدلائل على الحياة على الأرض”.

اختير ميكروب وحيد الخلية من رتبة العتائق، Methanocaldococcus jannaschii، كموضوع اختبار لهذه المحاكاة. جُمِع هذا الميكروب في البداية من فتحة حرارية مائية قبالة الساحل الغربي للمكسيك، حيث يعتمد، باستخدام مسار أسيتيل CoA، على ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين كمصدرين أساسيين للطاقة.

يوضح الفريق: “كان الهيدروجين غير الحيوي مانحًا مهمًا محتملًا للإلكترونات، وكان ثاني أكسيد الكربون بمثابة مستقبل رئيسي للإلكترونات في الخلايا الأولى.. الكائنات اللاهوائية التي تستخدم مسار أسيتيل CoA الاختزالي المعتمد على H2 لتثبيت ثاني أكسيد الكربون هي نماذج حديثة حافظت على آثار عمليات الأيض الأولى”.

وضعت التجارب ميكروب Methanocaldococcus jannaschii في نسخة مصغرة من الفتحات الحرارية المائية في أعماق البحار، محصورة بعناية في قارورة زجاجية. بحقن سائل كبريتي في ماء خالٍ من الأكسجين المذاب، شكّلت رواسب سوداء نمت لتشكّل هيكل مدخنة في غضون 5-10 دقائق.

عند درجات حرارة عالية، شكّل الحديد والكبريت في هذا العالم المصغر معادن كبريتيد الحديد ماكيناويت (FeS) وجريجيت (Fe3S4). عند ترطيب كبريتيد الحديد، ينطلق الهيدروجين (H2).

على الرغم من اختلافها التام عن موطنها الحديث، ازدهرت البكتيريا في هذه البيئة الغريبة.

تقول هيلمبرشت: “في البداية، توقعنا نموًا طفيفًا فقط، إذ لم نُضف أي عناصر غذائية أو فيتامينات أو معادن أثرية إضافية إلى التجربة”. بالإضافة إلى الإفراط في التعبير عن بعض جينات أيض الأسيتيل CoA، نمت العتائق بشكل كبير.

تحركت خلايا البكتيريا لتكون باستمرار إلى جوار جسيمات الماكينايت، في مشهد يُشبه إلى حد كبير بعض أقدم آثار الحياة الموجودة في العينات الأحفورية. يعتقد العلماء أن هذه الحدائق الكيميائية غذّت أولى ميكروبات الأرض.

هذا دليل على أن عملية أيض الأسيتيل CoA نشأت من بيئات قاسية ومحدودة الطاقة، حيث ربما تكون الحياة على الأرض قد أشعلت شراراتها الأولى.

ويخلص الباحثون إلى أن “الدراسة تشير إلى الحدائق الكيميائية للماكينايت والجريجيت كمفرخات محتملة للحياة، وبيئات بدائية يُمكنها نظريًا دعم التطور المستمر لأولى خلايا الأيض”.

نُشر البحث في مجلة Nature Ecology & Evolution.

المصدر: Science Alert

اقرأ أيضا:

علماء: فطريات خطيرة تنتشر بسبب ارتفاع حرارة العالم

قد يعجبك أيضًأ