كتب – رامز يوسف:
الماء موجود في كل مكان. فهو يتدفق عبر كوكبنا، وينجرف في الفضاء، وربما يكون قد شكل المجرات قبل فترة طويلة من وجود الأرض. ولا يزال السؤال مطروحا: متى وأين تشكلت أول جزيئات الماء؟
كانت النظرية السائدة هي أن الماء ظهر في وقت متأخر نسبيًا في تاريخ الكون. ومع ذلك، تتحدى دراسة جديدة هذا الافتراض.
تشير الدراسة المنشورة في مجلة Nature Astronomy إلى أن الماء ربما يكون قد تشكل بعد 100-200 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم. وإذا كان هذا صحيحًا، فهذا يعني أن الماء لم يكن مجرد منتج ثانوي للتطور الكوني اللاحق، بل كان مكونًا مبكرًا في قصة الكون.
بالنسبة لشيء شائع جدًا، فإن الماء له أصل معقد بشكل مدهش. فهو يتكون من الهيدروجين والأكسجين: عنصرين لهما عمليات خلق مختلفة تمامًا.
وُلد الهيدروجين في الانفجار العظيم مع الهيليوم والليثيوم. ولكن الأكسجين جاء بعد ذلك بكثير، إذ تشكل في النوى النارية للنجوم أو انطلق أثناء انفجارات المستعرات العظمى العنيفة.
من دون الأكسجين، لا يمكن للماء أن يوجد. وهذه الحقيقة البسيطة جعلت من الصعب تحديد متى تشكلت جزيئات الماء الأولى. وكان الافتراض أن الأكسجين يحتاج إلى وقت للتراكم بكميات كبيرة، ما يؤخر ظهور الماء.
ولكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك؟ ماذا لو كانت الظروف المناسبة للمياه في الكون في وقت أبكر بكثير مما توقعه أي شخص؟
المستعرات العظمى كمصانع كونية
للتحقق من هذا الاحتمال، لجأ الباحث دانييل ويلان وفريقه إلى المحاكاة الحاسوبية. أنشأوا نموذجين من المستعرات العظمى: أحدهما من نجم تبلغ كتلته 13 ضعف كتلة الشمس والآخر من نجم هائل تبلغ كتلته 200 ضعف كتلة الشمس.
ساعدت هذه المحاكاة في تتبع ما حدث للعناصر المنتجة في هذه الانفجارات النجمية.
كانت النتائج مذهلة. فقد ولّد المستعر الأعظم الأصغر حوالي 0.051 كتلة شمسية من الأكسجين. أما الأكبر؟ فقد ولّد 55 كتلة شمسية مذهلة من الأكسجين. لم تتسبب هذه الانفجارات في تشتيت العناصر في الفضاء فحسب؛ بل ربما كانت سبباً في نشوء العملية ذاتها التي أدت إلى ولادة الماء.
مع تبريد الأكسجين المنبعث، اختلط بالهيدروجين المتبقي من الانفجارات. وبدأت جزيئات الماء تتشكل في جيوب كثيفة من الغاز. ولم تكن هذه الكتل مجرد حطام بلا حياة – بل ربما كانت مواقع رئيسية لتكوين النجوم والكواكب.
في سيناريو المستعر الأعظم الأصغر، تراوحت كمية الماء التي تشكلت من 100 مليون إلى مليون من كتلة الشمس، واستغرق الأمر حوالي 30 إلى 90 مليون سنة للتراكم. وفي المحاكاة الأكبر، تشكل الماء بسرعة أكبر بكثير.
بعد 3 ملايين سنة فقط من الانفجار، تشكلت بالفعل حوالي 0.001 كتلة شمسية من الماء.
هل يمكن للماء أن ينجو من ولادة المجرة؟
لا تتشكل المجرات بلطف. إنها هياكل فوضوية مضطربة تولد من قوى جاذبية هائلة تجذب الغاز والغبار معًا. وهذا يثير سؤالاً مهمًا – هل يمكن لجزيئات الماء أن تنجو من هذه العملية العنيفة؟
إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون الماء قد لعب دورًا حاسمًا في تشكيل أقدم الأنظمة الكوكبية. ربما لم يكن دخيلًا في وقت لاحق من تاريخ الكون، بل كان جزءًا جوهريًا من أساس الكون.
يقترح مؤلفو الدراسة أنه إذا استمرت جزيئات الماء المبكرة هذه، فربما اندمجت في الكواكب منذ مليارات السنين.
هذا الاكتشاف له آثار عميقة. إذا تشكل الماء بعد بضع مئات من ملايين السنين فقط من الانفجار العظيم، فقد كان موجودًا خلال المراحل الأولى من تطور الكواكب. وهذا يعني أن البيئات الصالحة للسكن ربما نشأت في وقت أبكر بكثير مما كنا نعتقد.
إن وجود الماء في مثل هذه العصور القديمة يثير أسئلة جديدة حول الظروف اللازمة للحياة. إذا تشكلت الكواكب الغنية بالمياه في وقت أبكر بكثير في تاريخ الكون، فإن إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض تصبح أكثر إثارة للاهتمام.
هل كانت العوالم الصديقة للحياة موجودة لمليارات السنين قبل الأرض؟ هل يمكن أن تكون الكواكب القديمة، التي اختفت منذ فترة طويلة الآن، قد استضافت الحياة ذات يوم؟
دور المستعرات العظمى في تكوين الماء
هناك أمر واحد واضح – لقد فعلت المستعرات العظمى أكثر من مجرد خلق العناصر الثقيلة اللازمة للكواكب والنجوم. ربما ساهمت بنشاط في تكوين الماء نفسه.
لم تكن هذه الانفجارات النجمية الضخمة بمثابة نهاية حياة النجم فحسب؛ بل إنها شكلت كيمياء الكون بطرق بدأ العلماء للتو في فهمها.
من خلال نشر الأكسجين في الفضاء والسماح له بالاختلاط بالهيدروجين، مهدت المستعرات العظمى الطريق للماء ليصبح جزءًا أساسيًا من الكون. وبدلاً من أن يكون قادمًا متأخرًا، ربما كان الماء موجودًا خلال بعض اللحظات الأكثر أهمية في الكون.
لغز تكوين الماء في الفضاء
قصة الماء ليست مجرد قصة عن الأرض أو الأنهار أو المحيطات. إنها قصة كونية – قصة انفجارات وخلق وتحمل. إن فكرة تشكل الماء في وقت مبكر جدًا تتحدى فهمنا لتطور الكواكب وتجبرنا على إعادة التفكير في المكان والزمان اللذين كان من الممكن أن تنشأ فيهما الظروف الملائمة للحياة.
وسوف تعمل الأبحاث المستقبلية على تحسين هذه الأفكار، باستخدام المحاكاة المتقدمة وملاحظات التلسكوب لتتبع رحلة الماء عبر الفضاء. وإذا أكد العلماء أن جزيئات الماء المبكرة نجت من تكوين المجرات، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة كتابة فهمنا لتاريخ الكون.
كان البحث عن الماء مرتبطًا دائمًا بالبحث عن الحياة. ولكن كما تظهر هذه الدراسة، فإن قصة الماء نفسها رائعة بنفس القدر – قصة تمتد إلى ما يقرب من بداية الزمن نفسه.
نُشرت الدراسة في مجلة Nature Astronomy.
اقرأ أيضا”