كتب – باسل يوسف:
تُعد الاختلافات بين الرجال والنساء في الذكاء والسلوك، مثار جدل علمي منذ عقود، والآن، هناك مزيد من الأدلة العلمية التي تثبت اختلاف سلوك مئات الجينات في أدمغة البشر.
تظهر هذه الاختلافات الجنسية بين أدمغة الذكور والإناث في مراحل مبكرة من النمو، لذا قد يكون لها دور في تشكيل نمو الدماغ.
أكدت عقود من الأبحاث وجود اختلافات بين الرجال والنساء في بنية الدماغ ووظيفته وقابليته للإصابة بالاضطرابات العقلية.
ويمكننا قياس تأثير العوامل الوراثية من خلال النظر مباشرةً إلى نشاط الجينات في أدمغة الرجال والنساء. والآن، وبعد أن حصلنا على التسلسل الكامل للحمض النووي للجينوم البشري، أصبح من السهل نسبيًا اكتشاف نشاط الجينات التي يحتويها، ويبلغ عددها حوالي 20 ألف جين.
الجينات هي أطوال من الحمض النووي، ولكي يتم التعبير عنها، يجب نسخ تسلسلها إلى جزيئات الحمض النووي الريبوزي الرسول (mRNA)، وتُترجم بدورها إلى بروتينات – وهي الجزيئات التي تقوم بالفعل بالعمل الذي يدعم بنية الجسم ووظيفته.
لذا، من خلال تسلسل كل هذا الحمض النووي الريبوزي (المسمى “الترانسكريبتوم”) وربط التسلسلات الأساسية بالجينات المعروفة، يمكننا قياس نشاط كل جين في نسيج معين – حتى في خلية واحدة.
عندما قارن العلماء النسخ الجينية في عينات أنسجة ما بعد الوفاة من مئات الرجال والنساء عام 2017، وجدوا أنماطًا مختلفة بشكل مفاجئ لنشاط الجينات. ثلث جيناتنا، البالغ عددها 20 ألف جين، كانت معبرةً أكثر في أحد الجنسين مقارنةً بالآخر في نسيج واحد أو عدة أنسجة.
كانت أقوى الاختلافات الجنسية في الخصيتين والأنسجة التناسلية الأخرى، ولكن المثير للدهشة، أن معظم الأنسجة الأخرى أظهرت أيضًا تحيزات جنسية. على سبيل المثال، أظهرت دراسة لاحقة أنماطًا مختلفة جدًا للحمض النووي الريبي (RNA) في عينات العضلات المأخوذة من الرجال والنساء، وهو ما يتوافق مع الاختلافات الجنسية في فسيولوجيا العضلات.
كشفت دراسة عن النسخ الجينية في الدماغ نُشرت في وقت سابق من هذا العام عن وجود 610 جينات أكثر نشاطًا في أدمغة الذكور، و316 جينًا أكثر نشاطًا في أدمغة الإناث.
ما هي الجينات التي تُظهر تحيزًا جنسيًا في الدماغ؟
من المتوقع أن تُظهر الجينات الموجودة على الكروموسومات الجنسية نشاطًا مختلفًا بين الرجال (الذين يحملون كروموسوم X وكروموسوم Y) والنساء (الذين يحملون كروموسومين X). ومع ذلك، فإن معظم الجينات المتحيزة جنسيًا (90%) تقع على الكروموسومات العادية، والتي يمتلك كل من الذكور والإناث نسختين منها (واحدة من الأم وأخرى من الأب).
هذا يعني أن إشارة خاصة بالجنس لا بد أن تتحكم في نشاطها. من المرجح أن تكون الهرمونات الجنسية مثل التستوستيرون والإستروجين هي المسؤولة، وفي الواقع، يستجيب العديد من الجينات المتحيزة جنسيًا في الدماغ للهرمونات الجنسية.
كيف تنشأ الاختلافات الجنسية في الدماغ؟
تظهر الاختلافات الجنسية في نشاط جينات الدماغ في مرحلة مبكرة من نمو الجنين، قبل البلوغ بوقت طويل أو حتى قبل تكوين الخصيتين والمبيضين.
فحصت دراسة أخرى أجريت عام 2025 نحو 265 دماغًا لأجنة بعد الوفاة، ووجدت أن أكثر من 1800 جين كانت أكثر نشاطًا لدى الذكور و1300 لدى الإناث. تداخلت هذه المجموعات من الجينات المتحيزة جنسيًا مع تلك الموجودة في أدمغة البالغين.
يشير هذا إلى تأثيرات جينية مباشرة للجينات على الكروموسومات الجنسية، وليس إلى اختلافات ناجمة عن الهرمونات.
هل تعني هذه الاختلافات أن أدمغة الذكور والإناث تعمل بشكل مختلف؟
سيكون من اللافت للنظر ألا تنعكس الاختلافات الجنسية في نشاط هذا العدد الكبير من الجينات في بعض الاختلافات الرئيسية في وظائف الدماغ بين الرجال والنساء. لكننا لا نعرف إلى أي مدى، أو أي وظائف.
تبين أن العديد من الجينات المتحيزة للإناث تُشفّر عمليات مرتبطة بالخلايا العصبية، بينما ترتبط الجينات المتحيزة للذكور في أغلب الأحيان بصفات مثل الأغشية والهياكل النووية.
العديد من الجينات متحيزة جنسيًا فقط في مناطق فرعية معينة من الدماغ، ما يشير إلى أن لها وظيفة خاصة بالجنس فقط في تلك المناطق.
صحة الدماغ
من الأمور ذات الأهمية الخاصة اكتشاف علاقة بين التحيزات الجنسية والاختلافات الجنسية في قابلية الإصابة ببعض اضطرابات الدماغ.
العديد من الجينات المرتبطة بمرض الزهايمر متحيزة للإناث، وربما يُفسر ذلك تضاعف معدل الإصابة بهذا المرض لدى النساء. تشير الدراسات التي أُجريت على القوارض إلى أن التعبير عن جين SRY، المخصص للذكور فقط، في الدماغ يُفاقم مرض باركنسون.
أنماط التعبير الجيني المتحيزة للجنس هذه ليست حكرًا على البشر.
وُجدت أيضًا في أدمغة الجرذان والفئران، وكذلك لدى القرود.
تتداخل مجموعات الجينات المتحيزة للذكور والإناث لدى القرود بشكل كبير مع تلك الموجودة لدى البشر، ما يعني أن التحيزات الجنسية قد نشأت في سلف مشترك قبل 70 مليون سنة.
يشير هذا إلى أن الانتخاب الطبيعي فضّل سلوكيات جينية عززت سلوكيات مختلفة قليلاً لدى أسلافنا من الرئيسيات الذكور والإناث – أو ربما حتى في أسلاف جميع الثدييات، أو حتى جميع الفقاريات.
جيني جريفز، أستاذة متميزة في علم الوراثة وزميلة نائب رئيس جامعة لا تروب
المصدر: The Conversation
اقرأ أيضا:
