كتب – رامز يوسف:
انقرض إنسان نياندرتال قبل نحو 30 ألف سنة، لكنه لا يزال مادة ثرية للبحث العلمي باعتباره أقرب الأجناس المنقرضة قربا من البشر، كما أننا لا نزال نحمل بعض جيناته في أجسادنا.
جرت العادة على تصوير إنسان نياندرتال، على أنه لم يأكل سوى اللحوم، لا فاكهة، ولا حبوب، ولا خضراوات. فهل هذا صحيح؟
هناك أدلة كثيرة على أن إنسان نياندرتال كان يأكل اللحوم بانتظام، لكن أبحاثا جديدة تُظهر أن أقاربنا كانوا يأكلون أيضًا أجزاء أخرى من الحيوانات إلى جانب لحومها، مثل مستخلص الدهون من نخاع العظم، بالإضافة إلى أطعمة أخرى، بما في ذلك الفستق والعدس والبسلة البرية.
يمكن للعلماء تقدير نسب الأطعمة المختلفة التي تناولها البشر القدماء من خلال تحليل عدد الذرات ذات الأعداد المتفاوتة من النيوترونات في أنويتها، والمعروفة بالنظائر، مثل الكربون-13 والنيتروجين-15. النظائر التي يتناولها البشر تُحفظ في أسنانهم وعظامهم. تعمل هذه النظائر كبصمات كيميائية، تكشف عما تناوله البشر والحيوانات منذ آلاف السنين.
في موقع جاباسا بإسبانيا، أظهرت تحليلات نظائر الكالسيوم والسترونشيوم والزنك أن إنسان نياندرتال كان من آكلي اللحوم المفرطين، وكان يعيش بشكل رئيسي على اللحوم ونخاع العظام. ما يعني أن إنسان نياندرتال كان من الكائنات المفترسة الرئيسية، على غرار الذئاب والضباع، التي تتربع على قمة السلسلة الغذائية.
يقول هيرفي بوخرينز، رئيس مجموعة أبحاث الجيولوجيا الحيوية في جامعة توبنجن بألمانيا، أن هذه الفكرة تدعمها دراسات سابقة لنظائر النيتروجين.
يأتي النيتروجين في شكلين مستقرين: النيتروجين-14 والنيتروجين-15 الأقل شيوعًا. عندما تأكل الحيوانات حيوانات أخرى، يتراكم النيتروجين-15 الأثقل وزنًا ببطء في أجسامها. هذا يعني أن الحيوانات التي تأكل اللحوم تحتوي على نيتروجين-15 أكثر من آكلات النباتات.
اضاف بوخرينز: “في معظم عينات إنسان نياندرتال، كان محتوى النيتروجين-15 أعلى من تلك الموجودة في الحيوانات آكلة اللحوم الكبيرة، مثل أسود الكهوف وضباع الكهوف والذئاب. انتهت الدراسة إلى أن إنسان نياندرتال كان أكثر ميلاً إلى أكل اللحوم من آكلات اللحوم الأخرى”.
ولكن هل كان بإمكان إنسان نياندرتال البقاء على قيد الحياة على نظام غذائي قائم على اللحوم فقط؟
قال بوخرينز: “لم يكن بإمكانهم ذلك لو كانت لديهم فسيولوجيا مشابهة للإنسان الحديث، وهو أمر مرجح.. هناك حاجة لمصادر غذائية للطاقة”. إن تناول الكثير من البروتين دون تناول ما يكفي من الدهون والكربوهيدرات، التي تُوفر معظم طاقتنا، يمكن أن يؤدي إلى حالة قاتلة تُعرف باسم التسمم البروتيني أو مجاعة الأرانب.
يعتقد العلماء أن الحل كان يتمثل في الدهون.
في موقع ألماني عمره 125 ألف عام، وجد الباحثون أدلة على أن إنسان نياندرتال كان يكسر عظام الحيوانات بشكل منهجي لاستخراج الدهون من نخاع العظام. وأضاف بوخرينز أن أدمغة الحيوانات كانت مصدرًا محتملًا آخر للدهون. وعند استهلاك الجثث كاملةً، بما في ذلك احتياطيات النخاع والدهون، يكون النظام الغذائي القائم على الحيوانات مناسبًا تمامًا.
ربما وجد إنسان نياندرتال طرقًا مبتكرة لموازنة نظامه الغذائي. يقول كريس سترينجر، الباحث الرائد في أصول الإنسان في متحف التاريخ الطبيعي بلندن، إنه ربما كان يأكل محتويات معدة فرائسه آكلة النباتات.
فستق وعدس وزيتون
يتفق العلماء على أن إنسان نياندرتال كان يأكل النباتات أيضًا عندما كانت متاحة. قال نويل: “هناك أدلة كثيرة على تناول إنسان نياندرتال للنباتات”. تشمل هذه الأدلة بقايا نباتات حقيقية اكتُشفت في الكهوف، وآثارًا مجهرية متبقية على أدوات حجرية، وحتى بقايا نباتات محفوظة في لويحات الأسنان والبراز المتحجر.
تشير بقايا الطعام التي عُثر عليها في الأرض المحتلة إلى أن إنسان نياندرتال كان يأكل البقوليات والجوز والفستق، وفقًا لنويل.
وفي اليونان والعراق، تشير بقايا النباتات إلى أنهم كانوا ينقعون ويطحنون العدس والمكسرات والأعشاب، وهو شكل من أشكال تحضير الطعام ربما ساعد في إزالة النكهات المرّة.
وفي جبل طارق، عثر الباحثون على بقايا متفحمة لنباتات صالحة للأكل مثل الزيتون البري والصنوبر الحجري. وفي إيطاليا، تُشير حبيبات النشا الموجودة على أدوات حجرية إلى أن إنسان نياندرتال كان يصنع نوعًا من الدقيق.
في كهف إل سيدرون في إسبانيا، كشفت التحاليل الكيميائية أن إنسان نياندرتال كان يأكل نباتات مثل اليارو والبابونج، على الأرجح لأغراض طبية. وفي موقع أثري مكشوف يُدعى إل سالت في أليكانتي بإسبانيا، وجد الباحثون مستويات كبيرة من الستيرولات النباتية (دهون في النباتات تشبه الكوليسترول) في براز إنسان نياندرتال المتحجر.
في المناطق الأكثر دفئًا، يُرجَّح أن إنسان نياندرتال جمع مجموعةً أوسع من الأغذية النباتية، بما في ذلك البذور والخضراوات الجذرية النشوية كالدرنات، وحتى التمور في المناطق الأكثر دفئًا، وفقًا لروبرت باور، الباحث في كلية الآثار بجامعة دبلن.
على الرغم من أن إنسان نياندرتال كان صيادًا ماهرًا يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الأغذية الحيوانية، إلا أنه “نوّع أنظمته الغذائية تبعًا لمكان وزمان إقامته، متكيفًا مع الأطعمة المحلية ومتغيرًا مع الفصول”، كما يقول نويل.
المصدر: livescience
اقرأ أيضا:
 
								 
											 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								