كتب – باسل يوسف:
يعتمد أغلب أشكال الحياة في كوكبنا، على ضوء الشمس، ومع ذلك يزدهر بعض الكائنات الحية في أعماق المحيط المظلمة حيث لا يصل ضوء الشمس أبدًا.
تقدم دراسة أجرتها مؤسسة وودز هول لعلوم المحيطات (WHOI) تفاصيل جديدة حول لغز الفورامينيفيرا – وهي كائنات حقيقية النواة وحيدة الخلية صغيرة الحجم توجد في بيئات بحرية متنوعة.
حقق الخبراء في كيفية ازدهار نوع من الفورامينيفيرا في بيئة بحرية عميقة خالية من الأكسجين والضوء من خلال استخدام استراتيجية أيضية رائعة: التغذية الكيميائية الذاتية.
التغذية الكيميائية الذاتية هي عملية تستغل فيها الكائنات الحية الطاقة من المركبات غير العضوية، مثل الكبريتيد، لاستيعاب الكربون واستدامة الحياة في غياب ضوء الشمس.
في حين أن هذا المسار الأيضي شائع بين البكتيريا البدائية والعتيقة (التي لا تحتوي على نواة في خلاياها)، إلا أنه غير معتاد في حقيقيات النوى (الكائنات الحية التي تحتوي على نواة في كل خلية)، والتي تعتمد عادةً على ضوء الشمس أو المواد العضوية كمصدر للطاقة.
على الرغم من أن الفورامينيفيرا حقيقية النواة، إلا أنها تكيفت لاستخدام التغذية الكيميائية الذاتية لتمكينها من البقاء حيث لا يوجد الأكسجين وأشعة الشمس.
تقول فاطمة جمعة، الباحثة في قسم الجيولوجيا والجيوفيزياء في معهد وودز هول لعلوم المحيطات “الحيوانات والنباتات والأعشاب البحرية والفورامينيفيرا كلها حقيقيات النوى. كنا مهتمين بدراسة هذه الفورامينيفيرا لأنها تزدهر في بيئة مشابهة جدًا لتلك الموجودة على الأرض خلال عصر ما قبل الكمبري، وهو وقت قبل تطور الحيوانات”.
وأضافت “خلال ذلك الوقت، كان هناك القليل جدًا من الأكسجين المتاح في المحيطات وتركيزات أعلى من المركبات غير العضوية السامة؛ وهي ظروف مماثلة لبعض البيئات الحديثة الموجودة في قاع البحر، وخاصة داخل الرواسب”.
وفقًا لـفاطمة، فإن فهم مصادر الطاقة والكربون التي تستخدمها هذه الفورامينيفرا يساعد في الإجابة عن أسئلة حول كيفية تكيف هذه الأنواع مع التغيرات البيئية، فضلاً عن تعزيز معرفتنا بتطور الحياة حقيقية النواة على الأرض.
جمع فريق البحث عينات الرواسب التي تحتوي على هذه الفورامينيفرا على عمق 570 مترًا تقريبًا تحت سطح المحيط قبالة ساحل كاليفورنيا.
ومن الاكتشافات المثيرة للاهتمام، عملية سرقة البلاستيدات الخضراء التي لوحظت في هذه الفورامينيفيرا. فعلى الرغم من العيش في ظلام دامس، فإن هذا النوع يحجز البلاستيدات الخضراء – المستخدمة عادة في عملية التمثيل الضوئي – من الكائنات الحية الأخرى.
وعلى الرغم من أن هذه البلاستيدات الخضراء المسروقة لا يمكنها القيام بعملية التمثيل الضوئي بدون ضوء، فإن وجودها قد يمنح مزايا أخرى، حيث تساعد الفورامينيفيرا في الحصول على المغذيات أو غيرها من العمليات الأيضية.
وأوضحت جوان بيرنهارد، وهي عالمة بارزة في معهد وودز هول لعلوم المحيطات وخبيرة في الفورامينيفيرا، “إن الفورامينيفيرا وفيرة للغاية على الأرض. ويبلغ قطر معظمها حوالي 300 ميكرون فقط، وبالتالي فهي صغيرة إلى حد ما. وفي حجم صغير مثل أستيكة قلم رصاص، يمكن أن يكون هناك حوالي 500 من هذا النوع المعين في هذا الموطن المظلم الخالي من الأكسجين والكبريتيد”.
إن قدرة الفورامينيفيرا على الازدهار في البيئات القاسية لا توسع فهمنا لاستراتيجيات البقاء لدى حقيقية النواة فحسب، بل لها أيضًا تداعيات على أبحاث تغير المناخ والبحث عن حياة خارج كوكب الأرض.
تعمل أصداف الفورامينيفيرا كوكلاء مهمين للمناخ، حيث تحافظ على سجل أحفوري يمتد لأكثر من نصف مليار عام. تساعد هذه الأحافير العلماء على إعادة بناء الظروف البيئية الماضية، لكن اكتشاف التغذية الكيميائية الذاتية يدفع إلى إعادة تقييم كيفية اكتساب هذه الكائنات للطاقة وكيف تعكس أصدافها المناخات القديمة.
نُشرت الدراسة في مجلة ISME.
اقرأ أيضا: