كتبت – شيرين فرج:
ابتسامة أمك وأنت تنطق كلمتك الأولى، أو رائحة الشموع على تورتة عيد ميلادك الثاني، ذكريات يتمنى الكثيرون الاحتفاظ بها. لكن لا أحد تقريبًا يستطيع تذكر ذكريات الطفولة المبكرة – وهي ظاهرة تُعرف بفقدان الذاكرة الطفولي.
فلماذا نميل إلى نسيان هذه الذكريات المبكرة؟
للإجابة عن هذا السؤال، من المهم التمييز بين نوعين رئيسيين من الذاكرة: الذاكرة الدلالية والذاكرة العرضية. الذاكرة الدلالية هي قدرتنا على تذكر الحقائق والمعلومات عن العالم من حولنا، بينما تسمح لنا الذاكرة العرضية بتذكر تفاصيل أحداث الحياة، مثل الأشخاص الذين كنا معهم وأين كنا في ذلك الوقت.
يتذكر الأطفال الصغار الحقائق في اللحظة نفسها، مثل من هم آباؤهم، أو أنهم يجب أن يقولوا “من فضلك” قبل أن تُعطيهم أمهم الحلوى. هذه أمثلة على الذاكرة الدلالية.
مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالذاكرة العرضية، تصبح الحدود غير واضحة بعض الشيء.
تقول إحدى النظريات العلمية السائدة إننا نميل إلى نسيان الذكريات العرضية التي تتشكل بين سن الثانية والرابعة لأن منطقة الدماغ المسؤولة عن تكوينها واسترجاعها – الحُصين – لا تنضج تمامًا في هذه المرحلة.
قالت نورا نيوكومب، أستاذة علم النفس بجامعة تمبل في فيلادلفيا، إن الأطفال قد يفشلون في تسجيل حلقات محددة حتى سن الثانية والرابعة لأن الحُصين يبدأ حينها بربط أجزاء المعلومات معًا.
وأضافت نيوكومب أنه بالنسبة للأطفال الذين تقل أعمارهم عن هذه الفئة العمرية، قد تكون الذاكرة العرضية معقدة بشكل غير ضروري في مرحلة يتعلم فيها الطفل كيفية عمل العالم.
وقالت نيوكومب: “أعتقد أن الهدف الأساسي من أول عامين هو اكتساب المعرفة الدلالية، ومن هذا المنظور، قد تكون الذاكرة العرضية في الواقع مجرد تشتيت”.
ومع ذلك، بدأت الأبحاث الحديثة تقلب هذه النظرية رأسًا على عقب. على سبيل المثال، كشفت دراسة نُشرت في مارس 2025 في مجلة ساينس أن الحُصين قادر على ترميز المعلومات اللازمة للذاكرة العرضية في أول عامين من العمر.
في الدراسة، عرض الباحثون على 26 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 4 أشهر وسنتين مجموعة مختارة من الصور لمدة ثانيتين لكل صورة؛ كانت الصور لوجوه ومشاهد وأشياء تُشكل أساس الذكريات العرضية. في الوقت نفسه، حلل الفريق نشاط حُصين الأطفال باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI).
بعد توقف قصير، عُرضت على الأطفال صورة شاهدوها سابقًا، بجانب صورة جديدة، لمدة 4 ثوانٍ. خلال هذا الوقت، راقب الباحثون أيضًا المدة التي قضاها الأطفال في النظر إلى كل صورة – وهو مؤشر آخر على ما إذا كانوا قد تعرفوا على الصورة القديمة بعد النظر إلى الصورة الجديدة.
بشكل عام، اكتشف الباحثون أنه كلما زاد نشاط الحُصين، طالت المدة التي يقضيها الأطفال في النظر إلى الصورة عند ظهورها مجددًا. ووجد الباحثون أن المنطقة داخل الحُصين، حيث يكون نشاط الدماغ الأقوى، هي أيضًا المنطقة الأكثر ارتباطًا بالذاكرة العرضية لدى البالغين.
تشير نتائج دراسة مجلة ساينس إلى أننا نعاني من فقدان الذاكرة الطفولي ليس لأننا لا نحتفظ بالمعلومات في صغرنا، ولكن لأننا لا نستطيع استرجاع هذه الذكريات كبالغين.
وجدت دراسة أجريت عام 2023 ونُشرت في مجلة ساينس أدفانسز أنه يمكن استعادة ذكريات الطفولة “المنسية” لدى الفئران البالغة باستخدام الضوء لتحفيز المسارات العصبية ذات الصلة بذكريات محددة.
شرع مؤلفو الدراسة في البداية في استكشاف عوامل النمو التي قد تؤثر على فقدان الذاكرة الطفولي. وجد الباحثون أن الفئران المصابة بأعراض التوحد كانت قادرة على تذكر ذكريات طفولتها.
للتوحد أسباب عديدة، ولكن رُبط سابقًا بفرط نشاط الجهاز المناعي للأم أثناء الحمل. لذلك، ولجعل الفئران مصابة بحالة شبيهة بالتوحد، حفّز الباحثون الجهاز المناعي لإناث الفئران أثناء الحمل.
ساعد هذا التنشيط المناعي على منع فقدان الذكريات المبكرة لدى هؤلاء المواليد من خلال التأثير على حجم ومرونة خلايا الذاكرة المتخصصة في أدمغتهم. عندما حُفِّزت هذه الخلايا بصريًا لدى فئران بالغة غير مصابة بالتوحد، أمكن استعادة ذكرياتها المنسية.
صرح توماس رايان، المؤلف المشارك في الدراسة والأستاذ المشارك في الكيمياء الحيوية في كلية ترينيتي دبلن، في بيان: “تشير هذه النتائج الجديدة إلى أن التنشيط المناعي أثناء الحمل يؤدي إلى تغيير في حالة الدماغ، ما يُغيّر “مفاتيح النسيان” الفطرية، ولكن القابلة للعكس، والتي تُحدد ما إذا كان نسيان ذكريات الرضيع سيحدث أم لا”.
وعلى الرغم من أن البحث أُجري على الفئران ولم يُدرَس بعد على البشر، إلا أن “له آثار مهمة على تعزيز فهمنا للذاكرة والنسيان خلال نمو الطفل، بالإضافة إلى المرونة الإدراكية العامة في سياق التوحد”.
المصدر: Live Science
اقرأ أيضا: