كتب – رامز يوسف:
نعرف التوأم على أنه شخصان متطابقان يتشاركان سمات جسدية، وربما سلوكيات أو صفات معينة. لكن التوأم في عالم التكنولوجيا، له معنى مختلف، إنه ابتكار ثوري لا يزال قيد الاستكشاف نسبيًا: التوائم الرقمية.
التوأم الرقمي هو نسخة افتراضية من نظام حقيقي، وهو نموذج ديناميكي يُغذّى ببيانات آنية، ويُحاكي سلوك ما يُمثله. يشبه الأمر مرآة ذكية لا تعكس حالة شيء ما فحسب، بل تتعلم أيضًا من كل حركة يقوم بها للتنبؤ بالحركة التالية.
استُخدمت التوائم الرقمية في قطاعات مختلفة لسنوات. فهي تساعدنا على التنبؤ بأعطال الطائرات قبل حدوثها، وتحسين أداء مصانع بأكملها، وتصميم سيارات تتعلم من بيانات قيادة آلاف المستخدمين.
في الآونة الأخيرة، طُبّقت هذه التقنية في الزراعة، وأدت إلى تطورات ملحوظة، على سبيل المثال، في التنبؤ بآثار التغيرات المناخية والطبيعية على المحاصيل.
في الطب، أحدثت التوائم الرقمية نقلة نوعية. فهناك، على سبيل المثال، مناهج تعتمد على التوائم الرقمية القلبية التي تُحاكي عمل قلب كل مريض بدقة عالية. سيسمح هذا للأطباء بتوقع كيفية استجابة قلب مُحدد لاضطراب نظم القلب أو لعلاج مُحدد، كل ذلك دون تعريض المريض نفسه للخطر.
يفتح هذا المزيج من النمذجة الافتراضية والبيانات السريرية الباب أمام طب أكثر تنبؤًا وشخصية وأمانًا، حيث لا تستند القرارات العلاجية فقط إلى الخبرة الطبية، ولكن أيضًا إلى محاكاة لما سيحدث في التوأم الرقمي للمريض. ولكن ماذا يحدث إذا طبقنا هذا على الدماغ البشري؟
توأم الدماغ البشري
تُعدّ الصحة الإدراكية والنفسية ركائز أساسية لرفاهية الإنسان، لكنها في الوقت نفسه هشة. لا يزال التدهور المرتبط بالعمر، والاكتئاب، والقلق، والاضطرابات العصبية التنكسية تُشكّل تحديات كبيرة للطب.
وهنا يُقدّم الذكاء الاصطناعي نافذة أمل. فمن خلال دمج وتحليل كميات هائلة من البيانات، يُمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الكشف المُبكر عن الأمراض، وتحسين اختيار المرضى للتجارب السريرية، بل وحتى مُحاكاة تطور كل فرد باستخدام التوائم الرقمية.
يُتيح الذكاء الاصطناعي وسيلةً لاستباق التدهور، وتصميم تدخلات مُصمّمة خصيصًا، وتسريع تطوير علاجات أكثر أمانًا وفعالية.
طوّر فريق من العلماء من جامعة ديوك، وجامعة كولومبيا، وجامعة نيبريجا، وشركة كوجنيفيت مؤخرًا إطار عمل جديدا لمعالجة الصحة العقلية والإدراكية للأفراد من خلال التوائم الرقمية الإدراكية.
هذه تمثيلات افتراضية تدمج بيانات من أدمغتنا ونشاطنا السلوكي، وعاداتنا اليومية، واستجاباتنا العاطفية. باستخدام الذكاء الاصطناعي، يُمكن لهذه النماذج الديناميكية التعلّم وتحديث نفسها مع كل تفاعل جديد.
نتوقع أن يمتلك كل شخص “توأمًا رقميًا” معرفيًا خاصًا به، يُمكن استخدامه للتنبؤ بتطور ذاكرته أو مدى انتباهه، واقتراح أنشطة مُخصصة لتدريب العقل قبل ظهور أي مشكلة خطيرة.
يكمن مفتاح هذه الثورة في دمج الأجهزة التي يمتلكها البعض منا بالفعل – مثل الساعات الذكية، وأجهزة تتبع النشاط، وأجهزة استشعار النوم – لتوفير معلومات مُستمرة عن أجسامنا.
قد تكون البيانات المرتبطة بمعدل ضربات القلب، وجودة النوم، ومستوى النشاط، والإجهاد تُغذي بالفعل “شبيهًا رقميًا” ببيانات آنية، فيتعلم من هذه الإشارات، ويُكيّف التوصيات أو التدريب المعرفي مع حالتنا الجسدية والعقلية في أي لحظة.
سيكون دور الذكاء الاصطناعي أشبه بدور قائد أوركسترا، إذ يُنسّق كل هذه البيانات ويدمجها في نظام لا يتفاعل مع احتياجاتنا فحسب، بل يتوقعها أيضًا.
تدريب الدماغ الشخصي
حتى الآن، اقتصر “تدريب الدماغ” الرقمي بشكل عام على الألعاب الترفيهية ذات الفوائد المحدودة. أما التوائم المعرفية، فهي أمر مختلف تمامًا – فهي تتجاوز بكثير مجموعات التمارين العامة، إذ تُوفر نظامًا بيئيًا ديناميكيًا يمكن تعديله آنيًا ليناسب كل شخص، ويشرف عليه متخصصون في الرعاية الصحية، وتدعمه الأدلة العلمية.
يُمثل هذا نقلة نوعية، من نهج “مقاس واحد يناسب الجميع” إلى طب شخصي ووقائي حقيقي.
بالطبع، ستكون هناك أيضًا تحديات. يجب بناء التوائم الرقمية في هذا المجال بطريقة تضمن خصوصية البيانات، وأن تكون القرارات التي تتخذها الخوارزميات شفافة وأخلاقية. كما لا يمكننا تجاهل الفجوة الرقمية التي قد تستبعد كبار السن أو من هم أقل وصولاً إلى التكنولوجيا.
ومع ذلك، يجب ألا نغفل عن الفوائد المحتملة – فقد وجد تحليل حديث أن استخدام التكنولوجيا يُساعد على منع وتأخير التدهور المعرفي، سواءً أكان طبيعيًا أو مرضيًا.
من المتوقع أن تُصبح التوائم الرقمية إحدى الثورات الكبرى في الطب والعلوم المعرفية هذا القرن.
أُعيد نشر هذه المقالة من ذا كونفرسيشن بموجب رخصة المشاع الإبداعي. اقرأ المقال الأصلي.
المصدر: The Conversation
اقرأ أيضا